فصل: صَلَاةُ التَّرَاوِيحِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ: في الصَّلَاةِ الْمَسْنُونَةِ:

وَأَمَّا الصَّلَاةُ الْمَسْنُونَةُ فَهِيَ السُّنَنُ الْمَعْهُودَةُ لِلصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ، وَالْكَلَامُ فِيهَا يَقَعُ فِي مَوَاضِعَ: فِي بَيَانِ مَوَاقِيتِ هَذِهِ السُّنَنِ، وَمَقَادِيرِهَا جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا، وَفِي بَيَانِ صِفَةِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا، وَفِي بَيَانِ مَا يُكْرَهُ فِيهَا، وَفِي بَيَانِ أَنَّهَا إذَا فَاتَتْ عَنْ وَقْتِهَا هَلْ تُقْضَى أَمْ لَا؟ أَمَّا الْأَوَّلُ فَوَقْتُ جُمْلَتِهَا وَقْتُ الْمَكْتُوبَاتِ؛ لِأَنَّهَا تَوَابِعُ لِلْمَكْتُوبَاتِ فَكَانَتْ تَابِعَةً لَهَا فِي الْوَقْتِ، وَمِقْدَارُ جُمْلَتِهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً: رَكْعَتَانِ وَأَرْبَعٌ، وَرَكْعَتَانِ وَرَكْعَتَانِ، وَرَكْعَتَانِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
وَأَمَّا مِقْدَارُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا، وَوَقْتُهَا عَلَى التَّفْصِيلِ: فَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ لَا يُسَلِّمُ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهُ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعِشَاءِ كَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ، وَذَكَرَ فِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ إنْ تَطَوَّعَ بِأَرْبَعٍ قَبْلَهُ فَحَسَنٌ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ هَكَذَا إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي الْعَصْرِ: وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ، وَفِي الْعِشَاءِ وَأَرْبَعٌ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الْعَصْرِ، وَالْعَمَلُ فِيمَا رَوَيْنَا عَلَى الْمَذْكُورِ فِي الْأَصْلِ.
وَالْأَصْلُ فِي السُّنَنِ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ ثَابَرَ عَلَى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ: رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ»، وَقَدْ وَاظَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا مِنْهَا إلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ لِعُذْرٍ وَهَذَا تَفْسِيرُ السُّنَّةِ، وَأَقْوَى السُّنَنِ رَكْعَتَا الْفَجْرِ لِوُرُودِ الشَّرْعِ بِالتَّرْغِيبِ فِيهِمَا مَا لَمْ يَرِدْ فِي غَيْرِهِمَا فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} أَنَّهُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «صَلُّوهُمَا فَإِنَّ فِيهِمَا لَرَغَائِبَ».
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «صَلُّوهُمَا وَلَوْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ» وَرَوَى جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ «كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الزَّوَالِ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ» مِنْهُمْ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرَوَى عَنْهُ أَيْضًا قَوْلًا عَلَى مَا نَذْكُرُ وَعَنْ عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ مَا اجْتَمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَيْءٍ كَاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى مُحَافَظَةِ الْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْأُخْتِ فِي عِدَّةِ الْأُخْتِ ثُمَّ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِتَسْلِيمَتَيْنِ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ ذَكَرَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً كَمَا ذَكَرَتْ عَائِشَةُ إلَّا أَنَّهُ زَادَ وَأَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ بِتَسْلِيمَتَيْنِ، وَلَنَا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بَعْدَ الزَّوَالِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَقُلْت: مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ الَّتِي تُدَاوِمُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: هَذِهِ سَاعَةٌ تُفْتَحُ فِيهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ فَأُحِبُّ أَنْ يَصْعَدَ لِي فِيهَا عَمَلٌ صَالِحٌ فَقُلْتُ: أَفِي كُلِّهِنَّ قِرَاءَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ فَقُلْتُ: بِتَسْلِيمَةٍ أَمْ بِتَسْلِيمَتَيْنِ؟ فَقَالَ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ»، وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبَابِ، وَالتَّسْلِيمُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّشَهُّدِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ السَّلَامِ كَمَا فِيهِ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى مَا مَرَّ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ فِي التَّطَوُّعَ بِالْأَرْبَعِ قَبْلَ الْعَصْرِ حَسَنٌ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْأَرْبَعِ مِنْ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ غَيْرَ ثَابِتٍ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُذْكَرْ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَلَمْ يُرْوَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوَاظِبُ عَلَى ذَلِكَ؛ وَلِذَا اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي فَصْلِهِ إيَّاهَا.
وَرُوِيَ فِي بَعْضِهَا أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا، وَفِي بَعْضِهَا رَكْعَتَيْنِ فَإِنْ صَلَّى أَرْبَعًا كَانَ حَسَنًا لِحَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْعَصْرِ كَانَتْ لَهُ جُنَّةً مِنْ النَّارِ» وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ وَإِنْ تَطَوَّعَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ بِسِتِّ رَكَعَاتٍ كُتِبَ مِنْ الْأَوَّابِينَ وَتَلَا قَوْله تَعَالَى: {إنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا}، وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْأَصْلِ: إنَّ التَّطَوُّعَ بِالْأَرْبَعِ قَبْلَ الْعِشَاءِ حَسَنٌ؛ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ بِهَا لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ مِنْ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فَحَسَنٌ؛ لِأَنَّ الْعِشَاءَ نَظِيرُ الظُّهْرِ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ التَّطَوُّعُ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا، وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ فِي الْأَرْبَعِ بَعْدَ الْعِشَاءِ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَمَرْفُوعًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْعِشَاءِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ كُنَّ لَهُ كَمِثْلِهِنَّ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ» وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا «سُئِلَتْ عَنْ قِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ فَقَالَتْ: كَانَ قِيَامُهُ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ سَوَاءً، كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعِشَاءِ أَرْبَعًا لَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ أَرْبَعًا لَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ».
وَأَمَّا السُّنَّةُ قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَبَعْدَهَا فَقَدْ ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ: وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْجُمُعَةِ، وَأَرْبَعٌ بَعْدَهَا، وَكَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ يُصَلِّي بَعْدَهَا سِتًّا وَقِيلَ: هُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا مَذْهَبُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ أَنَّ الْمُعْتَكِفَ يَمْكُثُ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ مِقْدَارَ مَا يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، أَوْ سِتَّ رَكَعَاتٍ أَمَّا الْأَرْبَعُ قَبْلَ الْجُمُعَةِ؛ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَطَوَّعُ قَبْلَ الْجُمُعَةِ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ»؛ وَلِأَنَّ الْجُمُعَةَ نَظِيرُ الظُّهْرِ، ثُمَّ التَّطَوُّعُ قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ كَذَا قَبْلَهَا.
وَأَمَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنَّ فِيمَا قُلْنَا جَمْعًا بَيْنَ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ فِعْلِهِ فَإِنَّهُ رُوِيَ: «أَنَّهُ أَمَرَ بِالْأَرْبَعِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ» وَرُوِيَ: «أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ»، فَجَمَعْنَا بَيْنَ قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ كَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَيْ لَا يَصِيرَ مُتَطَوِّعًا بَعْدَ صَلَاةِ الْفَرْضِ بِمِثْلِهَا، وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ كَانَ مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا» وَمَا رُوِيَ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمُوَاظَبَةِ، وَنَحْنُ لَا نَمْنَعُ مَنْ يُصَلِّي بَعْدَهَا كَمْ شَاءَ، غَيْرَ أَنَّا نَقُولُ: السُّنَّةُ بَعْدَهَا أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ لَا غَيْرُ؛ لِمَا رَوَيْنَا.

.فَصْلٌ: صِفَةُ الْقِرَاءَةِ فِي السُّنَنِ:

وَأَمَّا صِفَةُ الْقِرَاءَةِ فِيهَا فَالْقِرَاءَةُ فِي السُّنَنِ فِي الرَّكَعَاتِ كُلِّهَا فَرْضٌ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ تَطَوُّعٌ وَكُلُّ شَفْعٍ مِنْ التَّطَوُّعِ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ؛ لِمَا نَذْكُرُ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ فَكَانَ كُلُّ شَفْعٍ مِنْهَا بِمَنْزِلَةِ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ مِنْ الْفَرَائِضِ، وَقَدْ رَوَيْنَا فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّهُ «سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ أَفِي كُلِّهِنَّ قِرَاءَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ: مَا يُكْرَهُ فِي السُّنَنِ:

وَأَمَّا بَيَانُ مَا يُكْرَهُ مِنْهَا فَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُصَلِّيَ شَيْئًا مِنْ السُّنَنِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْمَكْتُوبَةَ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ إذَا صَلَّى أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ» وَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ لِلْمَأْمُومِ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي حَقِّ الْإِمَامِ لِلِاشْتِبَاهِ وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَنَحَّى أَيْضًا حَتَّى تَنْكَسِرَ الصُّفُوفُ وَيَزُولَ الِاشْتِبَاهُ عَلَى الدَّاخِلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ عَلَى مَا مَرَّ.
وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّي شَيْئًا مِنْهَا وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ إلَّا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ يُصَلِّيهِمَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ، وَإِنْ فَاتَتْهُ رَكْعَةٌ مِنْ الْفَجْرِ، فَإِنْ خَافَ أَنْ تَفُوتَهُ الْفَجْرُ تَرَكَهُمَا وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الدَّاخِلَ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ لِلصَّلَاةِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ، وَإِمَّا أَنْ كَانَ لَمْ يُصَلِّ، وَإِمَّا أَنْ كَانَ لَمْ يُصَلِّهَا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ، أَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَشَرَعَ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ فَإِنْ دَخَلَ وَقَدْ كَانَ الْمُؤَذِّنُ أَخَذَ فِي الْإِقَامَةِ يُكْرَهُ لَهُ التَّطَوُّعُ فِي الْمَسْجِدِ سَوَاءٌ كَانَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ التَّطَوُّعَاتِ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِأَنَّهُ لَا يَرَى صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَقِفَنَّ مَوَاقِفَ التُّهَمِ».
وَأَمَّا خَارِجُ الْمَسْجِدِ فَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ التَّطَوُّعَاتِ.
وَأَمَّا فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَالْأَمْرُ فِيهِ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ إدْرَاكَ فَضِيلَةِ الِافْتِتَاحِ أَوْلَى مِنْ الِاشْتِغَالِ بِالنَّفْلِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمَرْتَبَةُ لِسَائِرِ النَّوَافِلِ، وَفِي الِاشْتِغَالِ بِاسْتِدْرَاكِهَا فَوَاتُ النَّوَافِلِ، وَفِي الِاشْتِغَالِ بِاسْتِدْرَاكِ النَّوَافِلِ فَوْتُهَا وَهِيَ أَعْظَمُ ثَوَابًا فَكَانَ إحْرَازُ فَضِيلَتِهَا أَوْلَى، بِخِلَافِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَإِنَّ التَّرْغِيبَ فِيهِمَا قَدْ وُجِدَ حَسْبَمَا وُجِدَ فِي تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» فَقَدْ اسْتَوَيَا فِي الدَّرَجَةِ وَاخْتَلَفَ تَخْرِيجُ مَشَايِخِنَا فِي ذَلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا انْتَهَى إلَى الْإِمَامِ وَقَدْ سَبَقَهُ بِالتَّكْبِيرِ وَشَرَعَ فِي قِرَاءَةِ السُّورَةِ فَيَأْتِي بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لِيَنَالَ هَذِهِ الْفَضِيلَةَ عِنْدَ فَوْتِ تِلْكَ الْفَضِيلَةِ؛ لِأَنَّ إدْرَاكَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ غَيْرُ مَوْهُومٍ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ إحْرَازِ إحْدَى الْفَضِيلَتَيْنِ يُحْرِزُ الْأُخْرَى، فَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ لَمْ يَأْتِ بِتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ بَعْدُ يَشْتَغِلُ بِإِحْرَازِهَا؛ لِأَنَّهَا عِنْدَ التَّعَارُضِ تَأَيَّدَتْ بِالِانْضِمَامِ إلَى فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ، فَكَانَ إحْرَازُهَا أَوْلَى، غَيْرَ أَنَّ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ عَلَى خِلَافِ هَذَا فَإِنَّ مُحَمَّدًا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ وَمَعَ ذَلِكَ قَالَ: إنَّهُ يَشْتَغِلُ بِالتَّطَوُّعِ إذَا كَانَ يَرْجُو إدْرَاكَ رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الدَّرَجَةِ عَلَى مَا مَرَّ، وَالْوَجْهُ فِيهِ أَنَّهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِإِحْرَازِ فَضِيلَةِ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ لَفَاتَتْهُ فَضِيلَةُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أَصْلًا.
وَلَوْ اشْتَغَلَ بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لَمَا فَاتَتْهُ فَضِيلَةُ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مَا دَامَتْ الصَّلَاةُ بَاقِيَةً؛ لِأَنَّ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ هِيَ التَّحْرِيمَةُ، وَهِيَ تَبْقَى مَا دَامَتْ الْأَرْكَانُ بَاقِيَةً فَكَانَتْ تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ بَاقِيَةً بِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ مِنْ وَجْهٍ، فَصَارَ مُدْرِكًا مِنْ وَجْهٍ وَصَارَ مُدْرِكًا أَيْضًا فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَهَا»؛ وَلِأَنَّهُ أَدْرَكَ أَكْثَرَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْفَائِتَ رَكْعَةٌ لَا غَيْرُ، وَالْمُسْتَدْرَكُ رَكْعَةٌ وَقَعْدَةٌ، وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ فَكَانَ الِاشْتِغَالُ بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أَوْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يَخَافُ فَوْتَ الرَّكْعَتَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُمَا إذَا فَاتَتَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ الْأَرْكَانِ الْأَصْلِيَّةِ.
وَلَوْ بَقِيَ شَيْءٌ قَلِيلٌ لَا عِبْرَةَ لَهُ بِمُقَابَلَةِ مَا فَاتَ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ، وَالْفَائِتُ أَكْثَرُ وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ فَعَجَزَ عَنْ إحْرَازِهِمَا فَيَخْتَارُ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ لِمَا انْضَمَّ إلَى إحْرَازِهَا فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ فِي الْفَرْضِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تَفْضُلُ الصَّلَاةُ بِجَمَاعَةٍ عَلَى صَلَاةِ الْفَذِّ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَفِي رِوَايَةٍ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» فَكَانَ هَذَا أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
أَمَّا إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَشَرَعَ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ فَهَذَا أَيْضًا عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا إنْ شَرَعَ فِي التَّطَوُّعِ وَإِمَّا إنْ شَرَعَ فِي الْفَرْضِ، فَإِنْ شَرَعَ فِي التَّطَوُّعِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ أَتَمَّ الشَّفْعَ الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهِ أَمَّا إتْمَامُ الشَّفْعِ، فَلِأَنَّ صَوْنَهُ عَنْ الْبُطْلَانِ وَاجِبٌ، وَقَدْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِالشُّرُوعِ فِي التَّطَوُّعِ زِيَادَةٌ عَلَى الشَّفْعِ فَكَانَتْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ كَابْتِدَاءِ تَطَوُّعٍ آخَرَ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ ابْتِدَاءَ التَّطَوُّعِ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْإِقَامَةِ مَكْرُوهٌ.
وَأَمَّا إذَا شَرَعَ فِي الْفَرْضِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ يَقْطَعُهَا مَا لَمْ يُقَيِّدْ الثَّانِيَةَ بِالسَّجْدَةِ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ وَإِنْ كَانَ نَقْصًا صُورَةً فَلَيْسَ بِنَقْصٍ مَعْنًى لِأَنَّهُ لِلْأَدَاءِ عَلَى وَجْهِ الْأَكْمَلِ، وَالْهَدْمُ لِيَبْنِيَ أَكْمَلُ يُعَدُّ إصْلَاحًا لَا هَدْمًا، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ هَدَمَ مَسْجِدًا لِيَبْنِيَ أَحْسَنَ مِنْ الْأَوَّلِ لَا يَأْثَمُ، وَإِذَا قَيَّدَ الثَّانِيَةَ بِالسَّجْدَةِ لَمْ يَقْطَعْ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْأَكْثَرِ وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ، وَالْفَرْضُ بَعْدَ إتْمَامِهِ لَا يَحْتَمِلُ الِانْتِقَاضَ، وَلَا يَدْخُلُ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ مَكْرُوهٌ وَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فَإِنْ كَانَ صَلَّى رَكْعَةً ضَمَّ إلَيْهَا أُخْرَى، لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ صَوْنُ الْمُؤَدَّى وَاسْتِدْرَاكُ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّ «صَلَاةُ الرَّجُلِ بِالْجَمَاعَةِ تَزِيدُ عَلَى صَلَاةِ الْفَذِّ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَشَهَّدَ وَسَلَّمَ لِمَا قُلْنَا، وَكَذَا إذَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ قَبْلَ أَنْ يُقَيِّدَهَا بِالسَّجْدَةِ يَعُودُ إلَى التَّشَهُّدِ وَيُسَلِّمُ، وَلَا يُسَلِّمُ عَلَى حَالِهِ قَائِمًا؛ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ مِنْ الْقَعْدَةِ كَانَتْ سُنَّةً، وَقَعْدَةُ الْخَتْمِ فَرْضٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ إلَى الْقَعْدَةِ ثُمَّ يُسَلِّمُ لِيَكُونَ مُتَنَفِّلًا بِرَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ قَيَّدَ الثَّالِثَةَ بِالسَّجْدَةِ أَتَمَّهَا؛ لِأَنَّهُ أَدَّى الْأَكْثَرَ فَلَا يُمْكِنُهُ الْقَطْعُ، وَيَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ فَيَجْعَلُهَا تَطَوُّعًا لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ صَلَّى فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ فَرَأَى رَجُلَيْنِ خَلْفَ الصَّفِّ فَقَالَ عَلَيَّ بِهِمَا فَجِيءَ بِهِمَا تَرْتَعِدُ فَرَائِصُهُمَا فَقَالَ مَا لَكُمَا لَمْ تُصَلِّيَا مَعَنَا فَقَالَا: كُنَّا صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا فَقَالَ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا إمَامَ قَوْمٍ فَصَلِّيَا مَعَهُ وَاجْعَلَا ذَلِكَ سُبْحَةً» أَيْ: نَافِلَةً وَكَانَ ذَلِكَ فِي الظُّهْرِ كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْإِمْلَاءِ وَلَوْ كَانَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِالسَّجْدَةِ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْكِتَابِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقْطَعُهَا لِيَدْخُلَ مَعَ الْإِمَامِ فَيُحْرِزَ ثَوَابَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الصَّلَاةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَعُودُ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ مَا لَمْ يُقَيِّدْهَا بِالسَّجْدَةِ، وَكَذَا الْجَوَابُ فِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْعَصْرِ مَعَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بَعْدَهُ مَكْرُوهٌ، وَيَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِي الْخُرُوجِ أَقَلُّ مِنْهَا فِي الْمُكْثِ.
وَأَمَّا فِي الْمَغْرِبِ فَإِنْ صَلَّى رَكْعَةً قَطَعَهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ ضَمَّ إلَيْهَا أُخْرَى لَأَدَّى الْأَكْثَرَ فَلَا يُمْكِنُهُ الْقَطْعُ.
وَلَوْ قَطَعَ كَانَ بِهِ مُتَنَفِّلًا بِرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَإِنْ قَيَّدَ الثَّالِثَةَ بِالسَّجْدَةِ مَضَى فِيهَا لِمَا قُلْنَا، وَلَا يَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الثَّلَاثِ كَمَا يَفْعَلُهُ الْإِمَامُ، وَالتَّنَفُّلُ بِالثَّلَاثِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَإِمَّا أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا فَيَصِيرُ مُخَالِفًا لِإِمَامِهِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ فَإِذَا فَرَغَ الْإِمَامُ يُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى لِتَصِيرَ شَفْعًا لَهُ، وَقَالَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ: يُسَلِّمُ مَعَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّغْيِيرَ بِحُكْمِ الِاقْتِدَاءِ وَذَلِكَ جَائِزٌ كَالْمَسْبُوقِ يُدْرِكُ الْإِمَامَ فِي الْقَعْدَةِ أَنَّهُ يَقْعُدُ مَعَهُ وَابْتِدَاءُ الصَّلَاةِ لَا يَكُونُ بِالْقَعْدَةِ ثُمَّ جَازَ هَذَا التَّغْيِيرُ بِحُكْمِ الِاقْتِدَاءِ، كَذَا هَذَا فَإِنْ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ صَلَّى أَرْبَعًا كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ؛ لِأَنَّ بِالْقِيَامِ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ صَارَ مُلْتَزِمًا لِلرَّكْعَتَيْنِ لِخُرُوجِ الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ عَنْ جَوَازِ التَّنَفُّلِ بِهَا، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: وَاَللَّهِ مَا أَجْزَأَتْ رَكْعَةٌ قَطُّ فَلِذَلِكَ يُتِمُّ أَرْبَعًا لَوْ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ، هَذَا إذَا كَانَ لَمْ يُصَلِّ الْمَكْتُوبَةَ، فَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّاهَا ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَإِنْ كَانَ صَلَاةً لَا يُكْرَهُ التَّطَوُّعُ بَعْدَهَا شَرَعَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ وَإِلَّا فَلَا.

.فَصْلٌ: هَلْ تُقْضَى السُّنَّةُ إذَا فَاتَتْ عَنْ وَقْتِهَا:

وَأَمَّا بَيَانُ أَنَّ السُّنَّةَ إذَا فَاتَتْ عَنْ وَقْتِهَا هَلْ تُقْضَى أَمْ لَا؟ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي سَائِرِ السُّنَنِ سِوَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أَنَّهَا إذَا فَاتَتْ عَنْ وَقْتِهَا لَا تُقْضَى سَوَاءٌ فَاتَتْ وَحْدَهَا، أَوْ مَعَ الْفَرِيضَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ: تُقْضَى قِيَاسًا عَلَى الْوِتْرِ، وَلَنَا مَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ حُجْرَتِي بَعْدَ الْعَصْرِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ اللَّتَانِ لَمْ تَكُنْ تُصَلِّيهِمَا مِنْ قَبْلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَكْعَتَانِ كُنْتُ أُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الظُّهْرِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «رَكْعَتَا الظُّهْرِ شَغَلَنِي عَنْهُمَا الْوَفْدُ فَكَرِهْتُ أَنْ أُصَلِّيَهُمَا بِحَضْرَةِ النَّاسِ فَيَرَوْنِي، فَقُلْتُ: أَفَأَقْضِيهِمَا إذَا فَاتَتَا؟ فَقَالَ: لَا» وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ الْقَضَاءَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الْأُمَّةِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ اُخْتُصَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا شَرِكَةَ لَنَا فِي خَصَائِصِهِ وَقِيَاسُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنْ لَا يَجِبَ قَضَاءُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أَصْلًا، إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا الْقَضَاءَ إذَا فَاتَتَا مَعَ الْفَرْضِ لِحَدِيثِ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ، وَلِأَنَّ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِبَارَةٌ عَنْ طَرِيقَتِهِ وَذَلِكَ بِالْفِعْلِ فِي وَقْتٍ خَاصٍّ عَلَى هَيْئَةٍ مَخْصُوصَةٍ عَلَى مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْفِعْلُ فِي وَقْتٍ آخَرَ لَا يَكُونُ سُلُوكَ طَرِيقَتِهِ، فَلَا يَكُونُ سُنَّةً بَلْ يَكُونُ تَطَوُّعًا مُطْلَقًا.
وَأَمَّا رَكْعَتَا الْفَجْرِ إذَا فَاتَتَا مَعَ الْفَرْضِ فَقَدْ فَعَلَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْفَرْضِ لَيْلَةَ التَّعْرِيسِ فَنَحْنُ نَفْعَلُ ذَلِكَ لِنَكُونَ عَلَى طَرِيقَتِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْوِتْرِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَالْوَاجِبُ مُلْحَقٌ بِالْفَرْضِ فِي حَقِّ الْعَمَلِ، وَعِنْدَهُمَا وَإِنْ كَانَ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً لَكِنَّهُمَا عَرَفَا وُجُوبَ الْقَضَاءِ بِالنَّصِّ الَّذِي رَوَيْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ.
أَمَّا سُنَّةُ الْفَجْرِ فَإِنْ فَاتَتْ مَعَ الْفَرْضِ تُقْضَى مَعَ الْفَرْضِ اسْتِحْسَانًا لِحَدِيثِ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَمَّا نَامَ فِي ذَلِكَ الْوَادِي ثُمَّ اسْتَيْقَظَ بِحَرِّ الشَّمْسِ فَارْتَحَلَ مِنْهُ ثُمَّ نَزَلَ وَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ فَصَلَّى صَلَاةَ الْفَجْرِ».
وَأَمَّا إذَا فَاتَتْ وَحْدَهَا لَا تُقْضَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تُقْضَى إذَا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَضَاهُمَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ قَبْلَ الزَّوَالِ» فَصَارَ ذَلِكَ وَقْتَ قَضَائِهِمَا، وَلَهُمَا أَنَّ السُّنَنَ شُرِعَتْ تَوَابِعَ لِلْفَرَائِضِ فَلَوْ قُضِيَتْ فِي وَقْتٍ لَا أَدَاءَ فِيهِ لِلْفَرَائِضِ لَصَارَتْ السُّنَنُ أَصْلًا، وَبَطَلَتْ التَّبَعِيَّةُ فَلَمْ تَبْقَ سُنَنٌ مُؤَكَّدَةٌ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ سُنَّةً بِوَصْفِ التَّبَعِيَّةِ، وَلَيْلَةُ التَّعْرِيسِ فَاتَتَا مَعَ الْفَرْضِ فَقُضِيَتَا تَبَعًا لِلْفَرْضِ، وَلَا كَلَامَ فِيهِ إنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا فَاتَتَا وَحْدَهُمَا، وَلَا وَجْهَ إلَى قَضَائِهِمَا وَحْدَهُمَا لِمَا بَيَّنَّا، وَلِهَذَا لَا يُقْضَى غَيْرُهُمَا مِنْ السُّنَنِ وَلَا هُمَا يُقْضَيَانِ بَعْدَ الزَّوَالِ.

.صَلَاةُ التَّرَاوِيحِ:

وَأَمَّا الَّذِي هُوَ سُنَنُ الصَّحَابَةِ فَصَلَاةُ التَّرَاوِيحِ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ، وَالْكَلَامُ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ فِي مَوَاضِعَ: فِي بَيَانِ، وَقْتِهَا، وَفِي بَيَانِ صِفَتِهَا، وَفِي بَيَانِ قَدْرِهَا، وَفِي سُنَنِهَا، وَفِي بَيَانِ أَنَّهَا إذَا فَاتَتْ عَنْ وَقْتِهَا هَلْ تُقْضَى أَمْ لَا؟.
أَمَّا صِفَتُهَا فَهِيَ سُنَّةٌ كَذَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: الْقِيَامُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سُنَّةٌ لَا يَنْبَغِي تَرْكُهَا، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: التَّرَاوِيحُ سُنَّةٌ إلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِأَنَّ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتْرُكْهُ إلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ لِمَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا وَاظَبَ عَلَيْهَا بَلْ أَقَامَهَا فِي بَعْضِ اللَّيَالِي، رُوِيَ: «أَنَّهُ صَلَّاهَا لِلَيْلَتَيْنِ بِجَمَاعَةٍ ثُمَّ تَرَكَ وَقَالَ: أَخْشَى أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْكُمْ» لَكِنْ الصَّحَابَةُ وَاظَبُوا عَلَيْهَا فَكَانَتْ سُنَّةَ الصَّحَابَةِ.